ما أكثر "ديماس" و "يهوذا الإسخريوطي" و "سيمون" و من قيل عنهم "المرتدين" و "مِنَّا خَرَجُوا، لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا." في هذه الأيام الأخيرة والأزمنة الصعبة، وليس بجديد على من يلهجون ويتأملون المكتوب عن هذه الأيام والتي لكثرة الإثم يبرد فيها محبة كثيرين بل وتكون الضمائر موسومة والمسامع مستحكّة.
أناس مثل لوط، السائر مع إبرام، يتبعون الله بتبعيّتهم لخدام وأقارب مؤمنين ولا يتبعونه تبعية حقيقية شخصية عن حب وإختيار، وأناس يؤمنون بتعاليم ومباديء إنجيل رخيص مُخفّف ومشوَّه لا ترى فيه حمل الصليب وإنكار الذات والباب الضيّق وشركة آلام المسيح واضطهادات رفض كل من يتبع ويؤمن ويخدم الإسم الحسن الذي دُعي علينا، وأناس ظنوا بأن الخلاص في لحظة وللحظة بقرار عاطفي بالتخويف الدرامي وطمعاً في الجنّة وخوفاً من النار، وأناس اتخذوا من المسيحية ديناً متوارثاً من آبائهم واجدادهم وتراثاً وتاريخاً واقتصروا سموّه فقط في تعاليمه واخلاقياته، وأناس تحب الظهور وعرض المواهب والمهارات والسيطرة والسيادة رأوا في الكنائس والاجتماعات والخدمة فرصة سهلة وغنيمة لتسديد الفراغ والنقص والامراض النفسية التي بداخلهم لمصالحهم الشخصية ولاسيما مرض حب الوعظ!
نتفاجىء اليوم وكل يوم بترك كل هؤلاء لمواقعهم وكنائسهم وخدماتهم ومسئولياتهم بل واختفائهم وحبّهم للعالم وما فيه، وليس بدورنا الحكم على أحد وإدانته، ولكنك ترى وتفهم وتدرك أنها أيام تُفحَص وتكشَف فيها المعادن الروحية ويُفصَل فيها القمح عن الزوان والمؤمن عن المُرتَد والحقيقي عن المزيّف والثابت عن المزاجي والروحي عن الجسدي، فشكراً للضيقات والآلام والشدائد والمواقف التي تكشف وتظهر هذا، وشكراً لعمل النعمة الغنية الحقيقي الروحي في نفوس كل مؤمن حقيقي يتبع الله ويخدمه في كل زمان ومكان وفي وقت مناسب وغير مناسب ودافعه مجد الله وعينه مرفوعة نحو الله ولا يستحي بإنجيل المسيح ويؤمن ويثق كل الثقة بأن الله وحده ساهر على كلمته ويُجريها وبأنه هو راعي النفوس العظيم وأسقفها إذا كان هناك أي تقصير وضعف في رعايتنا وخدمتنا فهو قادر أن يشدّدنا ويرشدنا ويشجّعنا، وحتى إذا طلب الشيطان لكي يغربلنا فهو يطلب كي لا يفنى إيماننا، وحتى إذا ضعفت أحوال الكنيسة فأعيننا وآذاننا نحوه نراه سيداً ومعلّما ومشجّعاً وموجوداً ونسمعه معضداً ومؤيداً ومرشداً وقائداً لرحلة إيماننا، فلا ننسى أن هناك مجازاة يوم نقف أمام كرسيه فلنصح ونسهر ونعمل ناظرين إليه رئيس إيماننا ومكمّله لكي لا نخجل عند مجيئه، ولنمتحن أنفسنا كل يوم ونتمسّك بالحسن ونصبر على المُختارين ونكرز للبعيدين والمتعبين والحزانى والجياع والعطاش والمساكين ونقبل ونحتمل حتى الضعفاء والساقطين.