في
أحد الأيام التي لا تُنسى في حياتي،اثناء دراستي الثانوية،كان لديّ عطلة لمدة
اسبوع من الدراسة،ففكّرت للذهاب الى صعيد مصر لزيارة اقاربي واصحابي والمؤمنين
هناك،فأنا أحب الصعيد نظراً لكوني صعيدي الأصل ونظراً لحبّي للبساطة الحقيقية التي
أجدها هناك في كل شيء يتعلّق بحياتهم العملية وحتى الروحية.لذا اتصلت بأحد
المرشدين الروحيين لي وأوصيته أن يبلغني اذا قرّر أن يذهب الى هناك لكي ارافقه
واتشجّع به وبزيارة احبائنا هناك كقافلة خيرية وروحية لاخوتنا المؤمنين هناك
لنتعزّى ونتشجّع بالإيمان المشترك،ثم ابلغني بعدها بيوم عزمه على الذهاب غداً
فوافقت على الذهاب معه وأعددت العدّة وجلست لأصلّي ليلة السفر حتى يساعدني الله كي
أعمل عمله بلا رخاوة وبحب وغيرة نقية مقدّسة وأن استغل هذه العطلة لتمجيد اسمه ولو
بأبسط الأعمال التي سأقوم بها هناك فلست بواعِظ أو مرنّم أو مقتدر في البلاغة
واللباقة والدراية الروحية لكنّي اعتمد على إرشاده وقوّته وعمله فيّ وفي النفوس
التي سأخدمها ولو بإبتسامة في وجوههم وبالجلوس والاستماع لهم.وبعدما وصلنا هناك نمت حتى العصر وبعد ان
استيقظت نويت الخروج من الاستراحة الى الحقول والمزارع التي من حولي في هذه القرية
والقاء السلام على كل من أقابله حتى الغرباء.
بعدها
بيوم سمعنا خبر بأنه سينضم إلينا من أحد المدن المجاورة لهذه القرية شبان وشابات
كثيرين مع قادتهم للخدمة بهذه القرية وخاصةً للمرضى والأطفال والحزانى وكبار السن
والاجتماعات الكنسية هناك،لذا فرحت بأنه سيكون معنا معاونون ومشجّعون لنا في هذا
الوقت الذي يحتاج إلى فعلة حقيقيين في زمن الحصاد الكثير.
وبعدما
وصلوا سلّمنا عليهم ورافقناهم بالاتوبيس الذي يرافقهم للتجوّل حول القرية وتنظيم
وإعداد خطة الإفتقاد والاجتماعات والزيارات الخيرية والطبيّة هناك،وبعدها دُعينا
من أحد رجال القرية لتناول الغذاء في بيته ومع أسرته وحتى اليوم اتذكّر الملوخيّة
والبطاطس واللحمة المسلوقة والارز وكل ما تناولناه معهم نظراً لما سأذكره الآن وهو
هدف هذا الفصل من روايتي في مراهقتي،واثناء تناولي الغذاء جلست أمامي فتاة رقيقة
بسيطة يمتليء وجهها من البسمة والبشاشة بل وقلبها يبدو أنه يمتليء بالبهجة،رأيتها
تنظر إليّ وبالتالي نظرت إليها بالرغم من عدم معرفتنا لبعض من قبل،وبعد الغذاء تناولنا
فاكهة طازجة وجلست بجوارها،في خجلي منها،فسألتني عن دراستي وعمري وأسرتي
وإقامتي،فأجبتها عن كل ما طلبت معرفته،ثم تمشّينا معاً بجوار الآخرين ولازلنا
نتحدّث معاً ونمرح ونفرح بالرغم من ان هذا هو اللقاء الأوّل لنا،ثم ذهبنا للاستراحة
كل واحد في مكان راحته وعبرت الأيام هناك بكل فرح وسرور ونجاح بمعونة القدير،ولكن
في عودتي في القطار إلى منزلي جلت اتذكّر لقاء تلك الفتاة البسيطة الجميلة،وليس
هذا فقط بل وابتسامتها وصوتها العذب وحبّها للفن والإبداع والخير وخدمة الآخرين
وانتظرت اليوم الذي يجمعنا مرّة أخرى معاً، وبعدما عدت إلى منزلي ذهبت لحاسوبي
لأرى الجديد في بريدي الإلكتروني وحسابي على فيسبوك، وبعدما فتحت رأيت طلب صداقة
من هذه الفتاة التي قابلتها في رحلتي بالصعيد، ثم أضفتها وأرسلت لها رسالة رقيقة
تعبّر عن مشاعري تجاهها ورأيي في دورها الفعّال في الخدمة في رحلتنا وقافلتنا هناك
وصارحتها بأمنيتي في لقائها مرّة أخرى قريباً، وردّت عليّ بذوقها المعتاد وشجّعتني
على دوري وتعاوني معهم هناك ولو بحمل الحقائب والترحيب بهم ومرافقتهم في
الافتقادات والزيارات المنزلية حتى بصمتي نظراً لصغر سنّي وقتها وعدم قدرتي على
التحدّث مع الكبار،وكالعادة اخذت منّي واخذت منها أرقام هواتفنا النقالة لنتحدّث
أكثر عن حياتنا وإبداعنا وفننا نظراً لكوننا معاً نحب الموسيقى والترنيم،وكنّا
نتحدّث مرة أسبوعياً عبر ياهو أو هواتفنا عن حياتنا ومشاريعنا القادمة في الكنيسة
والخدمة بشكل عام،وكان هذا كله هو محور حديثنا معاً بجانب تواصلنا المتواصل في
مواقع التواصل الإجتماعي وياهو،وتطوّرت علاقتنا حتى كدنا نمدح في صفات بعض ونتحدّث
عن الحب كعادة المراهقين ولكنّي في حديثي عن الحب لم أشعر به مطلقاً كان مجرّد
أحاديث وأعتقد بالنسبة لها،كان الحب مجرّد كلمات ونغمات خيالية وهمية لا ترتبط سوى
بأحلام خرافية لا تمت للواقع بصلة،وكنت أقابلها بمهرجانات ومؤتمرات ولقاءات كثيرة
في زيارتي لمدينتها، وأحياناً كنت اتصل بها وتتصل بي كل مناسبة مثل عيد الميلاد
والقيامة وفي العطلات لنتبادل التهاني والأمنيات والكلمات والانفعالات الهرمونية الجذّابة،وكانت
تبلغني عن صعوبة تعامل والدها معها نظراً لشخصيته الصعبة والمتعصّبة في كل جوانب
الحياة العملية والروحية والتربوية وابلغتني بأنها قد تكون المؤمن الوحيد في
أسرتها الصغيرة،وكنت أشجّعها أن تواصل المسير وتكافح وتثابر وتصبر وتحتمل بقوة
الله في المسيح،ولكن في أحد الأعياد قمت بالإتصال بها لتهنئتها والحديث معها ولكن
تفاجئت برد والدها على التليفون وعندما سمع صوتي وبالرغم من عدم معرفته لي قام
بالشتم والسب وإهانتي بأصعب الألفاظ والاتهامات وابلغني بأنه سيحاكمني إذا اتصلت
بهذا الرقم مرّة أخرى،وعندما رجعت لمنزلي ومتابعتي لحاسوبي وجدت رسالة من الأمس من
تلك الفتاة تبلغني بأن والدها أخذ هاتفها غصباً ولم يردّه لها لكي يتابع ما يحدث
معها ولها،ولكنّي لم أراها سوى اليوم،لذا زاد توتّري وقلقي تجاه سمعتي وسمعتها وبالتالي
صيت الأسرتين،ولم أجد سوى والدي لمصارحته بهذا الأمر لقربه منّي فجلست معه وابلغته
بكل الموضوع وطلبت منه النصيحة والتعضيد النفسي والمعنوي لي نظراً لشعوري بالذنب
بعد سماعي تلك الشتائم والاتهامات والتهديدات من والدها،فقام والدي بالصلاة معي
أولاً وطلب منّي التروّي والتفكير العقلاني في الأمر,و ابلغني بأنّي لست في كامل
نضوجي وإعدادي لهذه المرحلة الصعبة والخطيرة والحسّاسة لكي أحب وارتبط بفتاة
وشريكة الحياة،وابلغني انه لا يمانع تعارفي وتواصلي مع الكل ولكن بحكمة وحرص وحدود
أخلاقية سالكاً بأمانة وتقوى وقدوة حسنة لمن أخدمهم في كل الأعمار،وتركته وذهبت
لسريري وجلت أفكّر ماذا أفعل في هذا الأمر،وقمت لأصلّي واعترف لله بضعفي وارتباكي وانشغالي
عنه بهذه العلاقة الوهمية الغير صادقة والتي كنت فيها اجري واعمل فقط بمشاعري دون
عقلي وروحي ودون مشورة الأهل وسماع صوت وفكر الله لي،وطلبت من الله أن يغفر لي
ولها هذا الوقت الضائع وأن يشفيني من المشاعر المجروحة ومن المفاهيم المغلوطة التي
أملكها حول العلاقات والحب وأن يجعلني أنمو أكثر في معرفته ومعرفة نفسي وأنضج في
حياتي العملية والروحية وبالتالي في مفاهيمي ومشاعري لكي استطيع في وقت مناسب مستقبلياً
أن ارتبط بشريكة حياة في وقت وخطة الله ومشيئته الصالحة وترتيبه الرائع لي دون
الإعداد المُسبَق منّي والإنخداع بالمظاهر الخارجية والحماسة الشبابية التي تحتاج
معها التعقّل والنضوج والإرشاد الروحي من الأهل أو مرشدين روحيين من الكنيسة ممن
هم أكثر خبرة وحكمة نظراً لكبر أعمارهم وكثرة تجاربهم الحياتية وخوضهم هذه المعركة
العمرية الشديدة في هذه الفترة الذهبية التي يجب أن استغلّها في البناء الروحي
والمعرفي والعلاقاتي والنفسي مستعداً لمجابهة تجارب الحياة وامتحانات الإيمان بعون
الله وإرشاد روحه القدوس دون الإنخداع في الإفتتان والإعجاب وتسميته بالحب،ولكن
الحب يتميّز عن الإعجاب بأنه يعطي ويضحّي ولا يقل ويتغيّر ولا يُبنى على شروط وليس
له حدود،ومقياسه الوحيد هو حب المسيح لنا حتى الموت،فهيا لنسأل أنفسنا هل نحن نحب
حتى الموت هذا الحب الغير مشروط وهل نتأصّل ونتأسّس وننمو في حبه ونحبه لأنه
أحبّنا أولاً،وقتها سنعرف كيف نتعامل مع الآخرين وكيف نختار شريكة الحياة بوعي
ونضج،وكيف تستمر علاقتنا الزوجية دائماً في حب ينمو وعطاء يستمر وشركة تزداد ومشاعر
صادقة وكلمات صحيحة وصريحة.
ردحذفجزاكم الله خيرا"
شركه تنظيف